الاقتصاد الألماني ينهار: إفلاسات جماعية، فقر متصاعد، وركود مستمر.. حين ينهار العملاق الأوروبي تحت وطأة الأزمات
مأرب برس -

الإثنين 17 نوفمبر-تشرين الثاني 2025 الساعة 07 مساءً / مأرب برس - العربي الجديد

 

"المصائب لا تأتي فرادي"، هذا هو لسان حال الاقتصاد الألماني، أكبر اقتصاد في أوروبا، الذي بات يئنّ بشدة تحت وطأة التعثر والركود والديون المتفاقمة والعجز المالي الضخم والإفلاسات الجماعية، فهناك زيادة في أسعار وتكاليف كلّ شيء، السلع والخدمات، وكلفة المعيشة وإيجار السكن التي تدفع المزيد من الألمان تحت خط العوز، ومعدلات التضخم والفقر والبطالة مع تقلص عدد الوظائف.

يصاحب كل ذلك، تفاوت شديد في الأجور والرواتب، وتعثر غير مسبوق للقطاع الصناعي، وبنية تحتية مدمّرة من جسور وطرق وسكك حديد، كما أن عدد الشركات التي تقدمت بطلبات لإشهار إفلاسها ارتفع بحدّة في السنوات الأخيرة، مع إعلان عدد من الشركات الأخرى عن خطط واسعة النطاق لتسريح موظفيها، شملت أبرز الشركات العاملة في صناعة السيارات، وهناك زيادة ملحوظة في تكاليف الطاقة من نفط وغاز وكهرباء بعد أن أُجبرت ألمانيا على الابتعاد عن الطاقة الرخيصة القادمة من روسيا خاصة الغاز الطبيعي، وأيضاً تعرّض البنك المركزي الألماني "بوندسبنك" لخسارة تاريخية تجاوزت 40.8 مليار يورو في عامَي 2023 و2024.

الأرقام زادت حتّى في أعداد الطوابير المتراصة أمام بنوك الطعام، وكذا في أعداد المتقاعدين المتردّدين على تلك النوعية من البنوك للحصول على مساعدات ومواد غذائية مجانية، خصوصاً بعد حرب أوكرانيا. وهناك طفرة في عدد المشرّدين الذين ينامون في الشوارع، وفي عدد المتقاعدين الذين يبحثون عن زجاجات فارغة لإعادتها إلى المتاجر مقابل الحصول على عدة سنتات.

الدولة الألمانية التي كانت رمزاً للثراء والرفاه الاجتماعي دخلت حزام الفقر، فأكثر من 13 مليون شخص (أو ما يعادل نحو 15% من السكان) معرضون لخطر الفقر بحسب الأرقام الرسمية، ونحو 3.2 ملايين شخص من كبار السن معرضون للخطر أيضاً. وأمس أظهرت بيانات مكتب الإحصاء الاتحادي أن واحداً من بين كل سبعة أطفال كان معرضاً لخطر الفقر خلال 2024 وبما يعادل 2.2 مليون طفل. الفقر ليس وليد حرب أوكرانيا وجائحة كورونا بل بدأ قبل سنوات، فاعتباراً من عام 2015، بلغ الفقر أعلى مستوياته منذ إعادة توحيد ألمانيا في العام 1990.

   

الصورة على مستوى المؤشرات الاقتصادية ليست بأفضل حال بل بالغة السوء، فقد انهار الوضع الاقتصادي، وانزلقت ألمانيا إلى ركود مستمر. وتمرّ الدولة بمرحلة ضعف مالي منذ سنوات، وقطاع الأعمال يعاني مشكلات هيكلية متعدّدة منها ارتفاع أسعار الطاقة، والبيروقراطية المفرطة والإحجام عن الاستهلاك لدى الأفراد. يصاحب كل ذلك مخاطر وتغيّرات جيوسياسية مع تنامي قوة اليمين الشعبوي بعد فوز المحافظين بالانتخابات الأخيرة.

يحدث هذا في ألمانيا، صاحبة ثالث أكبر اقتصاد في العالم، والتي قادت حملات إنقاذ للدول الأوروبية المتعثرة مثل قبرص واليونان، كما صنفت طول سنوات على أنها "قاطرة الصناعة العالمية"، وواحدة من أقوى ثلاث دول في قطاع الصادرات بعد الصين والولايات المتحدة؛ بسبب اقتصادها القوي الذي يعتمد كثيراً على صادرات السيارات والأدوية والهندسة الميكانيكية والصناعات الكيميائية والكهربائية.

ألمانيا ما قبل حرب أوكرانيا وجائحة كورونا ليست هي ألمانيا 2025، فالدولة الأوروبية العملاقة قبل 2020 كانت تصنف على أنها صاحبة أقوى اقتصاد في أوروبا، وصاحبة العلامات المميّزة مثل مرسيدس بنز وفولكس فاغن وسيمنز ودايملر وإليانز وبوش ودويتشه بنك، لكن الصورة اهتزت بشدة في السنوات الأخيرة بفعل الأزمات الاقتصادية والمخاطر الجيوسياسية، وازداد الوضع تردياً مع تداعيات الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة أكبر شريك تجاري لألمانيا العام الماضي، وتبعات حرب أوكرانيا الكارثية، واعتماد الحكومة على الاقتراض لتحريك الاقتصاد المتعثّر، وزيادة الإنفاق الدفاعي.

انزلاق اقتصاد ألمانيا بشكل سريع نحو الهاوية لن يقف عند حدود وأسواق الدولة الألمانية فقط، بل قد يضرب الاقتصاد الأوروبي كله في مقتل، خاصة وأن دولاً ذات اقتصادات كبرى بالقارة تعاني بشدة من نفس الأزمات التي تعاني منها ألمانيا من تعثر وركود وعجز مالي، وفي مقدمة تلك الدول: فرنسا وإيطاليا وإسبانيا.

 


إقرأ المزيد